فصل: 2227- مَسْأَلَةٌ : حَدُّ الرَّمْيِ بِالزِّنَى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


2224 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى عَلَى امْرَأَةٍ ‏,‏ أَحَدُهُمْ ‏:‏ زَوْجُهَا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لَيْسَتْ شَهَادَةً وَيُلاَعَنُ الزَّوْجُ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ شَهِدُوا بِالزِّنَى عَلَى امْرَأَةٍ ‏,‏ وَأَحَدُهُمْ زَوْجُهَا قَالَ ‏:‏ يُلاَعَنُ الزَّوْجُ ‏,‏ وَيُحَدُّ الآخَرُونَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ بِمِثْلِهِ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ ‏:‏ إنْ كَانُوا عُدُولاً فَالشَّهَادَةُ تَامَّةٌ ‏,‏ وَتُحَدُّ الْمَرْأَةُ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَى أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا قَالَ ‏:‏ إذَا جَاءُوا مُجْتَمِعِينَ ‏,‏ الزَّوْجُ أَجْوَزُهُمْ شَهَادَةً‏.‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَى أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا أَنَّهُ قَدْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ ‏,‏ وَأَحْرَزُوا ظُهُورَهُمْ‏.‏ وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَى أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا حَتَّى يَكُونَ مَعَهُمْ مَنْ يَجِيءُ بِهَا وَبِهَذَا يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ ‏,‏ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ كُلُّ قَائِلٍ مِنْهُمْ لِقَوْلٍ ‏,‏ فَوَجَدْنَا كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ‏}‏ وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لِهِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ

فَنَظَرْنَا فِي هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ فَوَجَدْنَاهُمَا ‏:‏ إنَّمَا نَزَلاَ فِي الزَّوْجِ إذَا كَانَ رَامِيًا قَاذِفًا ‏,‏ إِلاَّ إذَا كَانَ شَاهِدًا ‏,‏ هَذَا نَصُّ الآيَةِ ‏,‏ وَنَصُّ الْخَبَرِ ‏,‏ فَلَيْسَ حُكْمُ الزَّوْجِ إذَا كَانَ شَاهِدًا لاَ قَاذِفًا رَامِيًا ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ نَطْلُبَ حُكْمَ شَهَادَةِ الزَّوْجِ فِي غَيْرِهِمَا‏.‏ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ‏}‏ فَشَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْقَاذِفِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ أَنْ يُجْلَدَ ‏,‏ وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى أُولَئِكَ الأَرْبَعَةَ الشُّهَدَاءَ أَنْ لاَ يَكُونَ مِنْهُمْ زَوْجُهَا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏ وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لاَ يَكُونَ الزَّوْجُ أَحَدَ أُولَئِكَ الشُّهَدَاءِ لَبَيَّنَ ذَلِكَ وَلَمَا كَتَمَهُ ‏,‏ وَلاَ أَهْمَلَهُ ‏,‏ فَإِذْ عَمَّ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ فَالزَّوْجُ وَغَيْرُ الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ‏.‏ فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ الزَّوْجَ إنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ إِلاَّ أَنْ يُلاَعَنَ ‏,‏ أَوْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ سَوَاءٌ ‏,‏ لأََنَّهُ قَاذِفٌ ‏,‏ وَرَامٍ وَالْقَاذِفُ وَالرَّامِي ‏:‏ مُكَلَّفٌ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ، وَلاَ بُدَّ وَهَكَذَا الأَجْنَبِيُّ ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ إذَا قَذَفَ ‏,‏ فَلاَ بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ غَيْرِهِ ‏,‏ فَإِنْ جَاءَ الزَّوْجُ شَاهِدًا لاَ قَاذِفًا ‏,‏ فَهُوَ كَالأَجْنَبِيِّ الشَّاهِدِ ، وَلاَ فَرْقَ ‏,‏ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ ، وَلاَ لِعَانَ أَصْلاً ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَرْمِهَا ‏,‏ وَلاَ قَذَفَهَا ‏,‏ فَإِنْ كَانَ عَدْلاً وَجَاءَ مَعَهُ بِثَلاَثَةِ شُهُودٍ ‏,‏ فَقَدْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ ‏,‏ وَوَجَبَ الرَّجْمُ عَلَيْهَا ‏,‏ لأََنَّهُمْ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ نَأْخُذُ‏.‏

وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ مَنْ يَأْتِي بِهِمْ ‏,‏ فَلاَ مَعْنَى لَهُ ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ وَلاَ يَخْلُو ذَلِكَ الْخَامِسُ مِنْ أَحَدِ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ لاَ رَابِعَ لَهَا ‏:‏ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَاذِفًا

وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا

وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَطَوِّعًا لاَ قَاذِفًا ، وَلاَ شَاهِدًا‏.‏ فَإِنْ كَانَ قَاذِفًا فَمِنْ الْحَرَامِ وَالْبَاطِلِ أَنْ يَلْزَمَ الشُّهُودُ أَنْ يَأْتِيَ قَاذِفًا يَتَقَدَّمُهُمْ ‏,‏ أَوْ يَأْمُرَ بِقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ وَالْمُحْصَنِ ‏,‏ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى إقَامَةِ الشَّهَادَةِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَامِسُ شَاهِدًا فَهَذَا إيجَابٌ لِخَمْسَةِ شُهُودٍ وَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَالسُّنَّةِ ‏,‏ وَالْإِجْمَاعِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا لاَ قَاذِفًا ، وَلاَ شَاهِدًا فَهَذَا بَاطِلٌ ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْهُ ‏,‏ وَلاَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَقَطَ قَوْلُ الْحَكَمِ فِي ذَلِكَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَالْحُكْمُ فِي هَذَا عَلَى ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ ‏:‏ إذَا كَانَ الزَّوْجُ قَاذِفًا فَلاَ بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ سَوَاءٍ وَإِلَّا حُدَّ أَوْ يُلاَعَنُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا لَكِنْ جَاءَ شَاهِدًا فَإِنْ كَانَ عَدْلاً وَمَعَهُ ثَلاَثَةُ عُدُولٍ فَهِيَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ وَعَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَى كَامِلاً‏.‏ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ عَدْلٍ ‏,‏ أَوْ كَانَ عَدْلاً وَكَانَ فِي الَّذِينَ مَعَهُ غَيْرُ عَدْلٍ أَوْ لَمْ يُتِمَّ ثَلاَثَةً سِوَاهُ وَالشَّهَادَةُ لَمْ تَتِمَّ فَلاَ عَلَى الْمَشْهُودِ ‏,‏ وَلَيْسَ الشُّهُودُ قَذْفَةٌ ‏,‏ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَلاَ حَدَّ عَلَى الزَّوْجِ ‏,‏ وَلاَ لِعَانَ ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ قَاذِفًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏

2225 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى عَلَى امْرَأَةٍ ‏,‏ وَشَهِدَ أَرْبَعَةُ نِسْوَةٍ أَنَّهَا عَذْرَاءُ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ حَدَّ عَلَيْهَا ‏,‏

كَمَا رُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي أَرْبَعَةِ رِجَالٍ عُدُولٍ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَى وَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِأَنَّهَا بِكْرٌ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ أُقِيمُ عَلَيْهَا الْحَدَّ ‏,‏ وَعَلَيْهَا خَاتَمٌ مِنْ رَبِّهَا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ هَذَا عَلَى الْإِنْكَارِ مِنْهُ لأَِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ تُحَدُّ كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا بِالزِّنَى عَلَى امْرَأَةٍ ‏,‏ وَنَظَرَ النِّسَاءُ إلَيْهَا فَقُلْنَ ‏:‏ إنَّهَا عَذْرَاءُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ آخُذُ بِشَهَادَةِ الرِّجَالِ ‏,‏ وَأَتْرُكُ شَهَادَةَ النِّسَاءِ ‏,‏ وَأُقِيمُ عَلَيْهِمَا الْحَدَّ‏.‏ وَبِإِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ ‏,‏ إِلاَّ زُفَرُ ‏,‏ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ وَزُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ ‏,‏ وَأَصْحَابُنَا ‏:‏ تُحَدُّ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا ‏,‏ وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَوَجَدْنَا مَنْ رَأَى إيجَابَ الْحَدِّ عَلَيْهَا يَقُولُ ‏:‏ قَدْ صَحَّتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعَارِضَ أَمْرَ رَبِّهِ تَعَالَى بِشَيْءٍ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا فَعَارَضَهُمْ الآخَرُونَ بِأَنْ قَالُوا ‏:‏ بِأَنْ لاَ خِلاَفَ أَنَّهُ إذَا صَحَّ أَنَّ الشُّهُودَ كَاذِبُونَ أَوْ وَاهِمُونَ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ حَقًّا ‏:‏ بَلْ هِيَ بَاطِلٌ ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ بِالْبَاطِلِ ‏,‏ وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِنْفَاذِ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَتْ حَقًّا عِنْدَنَا فِي ظَاهِرِهَا ‏,‏ لاَ إذَا صَحَّ عِنْدَنَا بُطْلاَنُهَا ‏,‏ وَهَذِهِ قَدْ صَحَّ عِنْدَنَا بُطْلاَنُهَا فَلاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ‏}‏ فَوَاجِبٌ إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ عِنْدَنَا فِي ظَاهِرِهَا حَقًّا ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ شَيْءٌ يُبْطِلُهَا أَنْ يُحْكَمَ بِهَا ‏,‏ وَإِذَا صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ حَقًّا فَفَرْضٌ عَلَيْنَا أَنْ لاَ نَحْكُمَ بِهَا ‏,‏ إذْ لاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ بِالْبَاطِلِ ‏,‏ هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الشُّهُودِ لَهَا أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَوَجَبَ أَنْ يُقَرِّرَ النِّسَاءُ عَلَى صِفَةِ عُذْرَتِهَا ‏,‏ فَإِنْ قُلْنَ ‏:‏ إنَّهَا عُذْرَةٌ ‏,‏ يُبْطِلُهَا إيلاَجُ الْحَشَفَةِ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَأَنَّهُ صِفَاقٌ عِنْدَ بَابِ الْفَرْجِ ‏,‏ فَقَدْ أَيْقَنَّا بِكَذِبِ الشُّهُودِ ‏,‏ وَأَنَّهُمْ وَهَمُوا فَلاَ يَحِلُّ إنْفَاذُ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ‏.‏ وَإِنْ قُلْنَ ‏:‏ إنَّهَا عُذْرَةٌ وَاغِلَةٌ فِي دَاخِلِ الْفَرْجِ ‏,‏ لاَ يُبْطِلُهَا إيلاَجُ الْحَشَفَةِ ‏,‏ فَقَدْ أَمْكَنَ صِدْقُ الشُّهُودِ ‏,‏ إذْ بِإِيلاَجِ الْحَشَفَةِ يَجِبُ الْحَدُّ ‏,‏ فَيُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ نَتَيَقَّنْ كَذِبَ الشُّهُودِ ، وَلاَ وَهْمَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2226 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

كَمْ الطَّائِفَةُ الَّتِي تَحْضُرُ حَدَّ الزَّانِي أَوْ رَجْمَهُ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ قَالَ ‏:‏ ‏{‏وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ‏}‏ ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ عَذَابَ الزُّنَاةِ الْجَلْدُ ‏,‏ وَمَعَ الْجَلْدِ الرَّجْمُ وَالنَّفْيُ‏.‏ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِقْدَارِ الطَّائِفَةِ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَشْهَدَ الْعَذَابَ الْمَذْكُورَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ هِيَ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ ‏,‏ فَإِنْ زَادَ فَجَائِزٌ

وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏ كَمَا رَوَى الثَّوْرِيُّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ ‏:‏ الطَّائِفَةُ رَجُلٌ ‏,‏ وَبِهَذَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ الطَّائِفَةُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا‏.‏

كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ قَالَ ‏:‏ اثْنَانِ فَصَاعِدًا ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ ثَلاَثَةٌ فَصَاعِدًا ‏,‏

كَمَا رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ ‏:‏ سَمِعْت شِمْرَ بْنَ نُمَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمِيرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُهُ سَوَاءً سَوَاءً أَنَّ الطَّائِفَةَ ثَلاَثَةٌ فَصَاعِدًا ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ الطَّائِفَةُ نَفَرٌ دُونَ أَنْ يَحِدُّوا عَدَدًا ‏,‏

كَمَا رُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ سَمِعَ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ ‏:‏ نَفَرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ الطَّائِفَةُ أَرْبَعَةٌ فَصَاعِدًا ‏,‏

كَمَا رُوِّينَا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ الطَّائِفَةُ خَمْسَةٌ فَصَاعِدًا ‏,‏

كَمَا رُوِّينَا عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ الطَّائِفَةُ عَشْرَةٌ ‏,‏ كَمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ الطَّائِفَةُ عَشْرَةٌ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا جَمِيعَ الأَقْوَالِ لاَ يُحْتَجُّ بِهَا إِلاَّ قَوْلُ مُجَاهِدٍ ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَهُوَ أَنَّ الطَّائِفَةَ ‏:‏ وَاحِدٌ فَصَاعِدًا فَوَجَدْنَاهُ قَوْلاً يُوجِبُهُ الْبُرْهَانُ مِنْ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَالْإِجْمَاعِ ‏,‏ وَاللُّغَةِ‏.‏

فأما الْقُرْآنُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى‏}‏ الآيَةَ ‏,‏ فَبَيَّنَ تَعَالَى نَصًّا جَلِيًّا أَنَّهُ أَرَادَ بِالطَّائِفَتَيْنِ هُنَا الاِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ‏:‏ بِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الآيَةِ ‏(‏ اقْتَتَلُوا ‏)‏ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى‏}‏ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخَرِ الآيَةِ ‏{‏فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ‏}

وبرهان آخَرُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ‏:‏ ‏{‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ عَدَدًا مِنْ عَدَدٍ لَبَيَّنَهُ ‏,‏ وَلاََوْقَفَنَا عَلَيْهِ ‏,‏ وَلَمْ يَدَعْنَا نَخْبِطُ فِيهِ خَبْطَ عَشْوَاءَ ‏,‏ حَتَّى نَتَكَهَّنَ فِيهِ الظُّنُونَ الْكَاذِبَةَ ‏,‏ حَاشَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2227- مَسْأَلَةٌ ‏:‏

حَدُّ الرَّمْيِ بِالزِّنَى وَهُوَ الْقَذْفُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏ إلَى قوله ‏{‏تعالى غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَفِي هَذِهِ الآيَةِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ يَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا بِأَنْ تَطْلُبَ عِلْمَهَا ‏,‏ وَأَنْ تَعْتَقِدَ ‏,‏ وَأَنْ يُعْمَلَ بِهَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ ‏:‏ فَمِنْهَا مَعْرِفَةُ مَا هُوَ الرَّمْيُ الَّذِي يُوجِبُ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِي الآيَةِ ‏,‏ مِنْ الْجَلْدِ ‏,‏ وَإِسْقَاطِ الشَّهَادَةِ ‏,‏ وَالْفِسْقِ ‏,‏ وَأَنَّ الْقَذْفَ مِنْ الْكَبَائِرِ ‏,‏ وَمِنْ الْمُحْصَنَاتِ اللَّوَاتِي يَجِبُ لِرَمْيِهِنَّ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الآيَةِ مِنْ الْجَلْدِ ‏,‏ وَإِسْقَاطِ الشَّهَادَةِ ‏,‏ وَالْفِسْقِ ‏,‏ وَعَدَدِ الْجَلْدِ ‏,‏ وَصِفَتِهِ وَمَنْ الْمَأْمُورُ بِالْجَلْدِ وَمَتَى يَمْتَنِعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ ‏,‏ وَفِي مَاذَا يَمْتَنِعُ مِنْ قَبُولِهَا ‏,‏ وَفِسْقِهِمْ ‏,‏ وَمَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا صِفَةُ التَّوْبَةِ مِنْ ذَلِكَ وَنَحْنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى نَذْكُرُ كُلَّ ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَةِ مِنْ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ حَوْلَ ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ‏.‏

2228 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

مَا الرَّمْيُ ‏,‏ وَالْقَذْفُ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْحُكْمَ بِاسْمِ ‏"‏ الرَّمْيِ ‏"‏ فِي الآيَةِ الْمَذْكُورَةِ ‏,‏ وَصَحَّ أَنَّ ‏"‏ الْقَذْفَ ‏,‏ وَالرَّمْيَ ‏"‏ اسْمَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ ‏:‏ لِمَا ناه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا عَبْدُ الأَعْلَى ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى السُّلَمِيُّ قَالَ ‏:‏ سُئِلَ هِشَامٌ ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ عَنْ الرَّجُلِ يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ فَحَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ سِيرِينَ قَالَ ‏:‏ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ ذَلِكَ وَأَنَا أَرَى أَنَّ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمًا فَقَالَ ‏:‏ إنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ ‏,‏ وَكَانَ أَخَا الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ ‏,‏ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لاَعَنَ ‏,‏ فَلاَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا ‏,‏ ثُمَّ قَالَ أَبْصِرُوهُ ‏,‏ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ ‏,‏ نَضَّ الْعَيْنَيْنِ ‏,‏ فَهُوَ لِهِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ ‏,‏ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ‏.‏ قَالَ أَنَسٌ ‏:‏ فَأُنْبِئْتُ أَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَوَّلُ لِعَانٍ كَانَ فِي الإِسْلاَمِ أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ ابْنَ سَحْمَاءَ بِامْرَأَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ ‏,‏ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ وَذَكَرَ حَدِيثَ اللِّعَانِ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَهَذَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ وَفِي النَّقْلِ فِي الدِّيَانَةِ قَدْ سَمَّى الرَّمْيَ ‏:‏ قَذْفًا ‏,‏ مَعَ أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ‏,‏ وَلاَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ‏.‏

وَكَذَلِكَ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي أَنَّ ‏"‏ الرَّمْيَ ‏"‏ الْمَذْكُورَ فِي الآيَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمُوجِبَ لِلْجَلْدِ وَالْفِسْقِ ‏,‏ وَسُقُوطِ الشَّهَادَةِ هُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَى بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ‏.‏ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّمْيِ بِغَيْرِ الزِّنَى أَيُوجِبُ حَدًّا أَمْ لاَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ حَدَّ إِلاَّ فِي الرَّمْيِ بِالزِّنَى فَقَطْ ‏,‏ وَلاَ حَدَّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ ‏,‏ لاَ فِي نَفْيٍ عَنْ نَسَبِ أَبٍ أَوْ جَدٍّ ‏,‏ وَلاَ فِي رَمْيٍ بِلُوطِيَّةٍ ‏,‏ وَلاَ فِي رَمْيٍ بِبِغَاءٍ ‏,‏ وَلاَ فِي رَمْيِ رَجُلٍ بِوَطْءٍ فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ ‏,‏ وَلاَ فِي إتْيَانِ بَهِيمَةٍ ‏,‏ وَلاَ فِي رَمْيِ امْرَأَةٍ أَنَّهَا أُتِيَتْ فِي دُبُرِهَا ‏,‏ وَلاَ فِي رَمْيِهَا بِبَهِيمَةٍ ‏,‏ وَلاَ فِي رَمْيٍ بِكُفْرٍ ‏,‏ وَلاَ بِشُرْبِ خَمْرٍ ‏,‏ وَلاَ فِي شَيْءٍ أَصْلاً

وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا‏.‏ وَقَالَ قَائِلُونَ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا ‏:‏ إيجَابُ الْجَلْدِ ‏,‏ وَنَحْنُ نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِذِكْرِهِ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ وَبَيَانِ الْحَقِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ نَسْتَعِينُ‏.‏

2229 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

النَّفْيُ عَنْ النَّسَبِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ نَفَى آخَرَ عَنْ نَسَبِهِ ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ فِيهِ الْحَدُّ

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ حَدَّ فِيهِ ‏,‏

فأما مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ الْحَدَّ فَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ‏:‏ لاَ حَدَّ إِلاَّ فِي اثْنَيْنِ ‏:‏ أَنْ يَقْذِفَ مُحْصَنَةً ‏,‏ أَوْ يَنْفِيَ رَجُلاً عَنْ أَبِيهِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً‏.‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الرَّجُلِ يَنْفِي الرَّجُلَ مِنْ فَخْذِهِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ لَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ إِلاَّ أَنْ يَنْفِيَهُ مِنْ أَبِيهِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ ‏,‏ وَالْحَسَنِ قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ يُضْرَبُ الْحَدَّ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ ‏:‏ مَنْ نَفَى رَجُلاً عَنْ أَبِيهِ كَانَ أَبُوهُ مَا كَانَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لَسْتَ مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْهُمْ أَوْ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي بَكْرٍ لَسْتَ مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي رَجُلٍ نَفَى رَجُلاً عَنْ أَبِيهِ ‏,‏ قَالَ لَهُ ‏:‏ لَسْتَ لأََبِيك وَأُمُّهُ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ مَمْلُوكَةٌ قَالَ ‏:‏ لاَ يُجْلَدُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ ‏:‏ سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عُمَرَ بْنِ رَبِيعٍ يَقُولُ ‏:‏ كَانَ بَيْنَ أَبِي وَبَيْنَ يَهُودِيٍّ مُرَافَعَةٌ فِي الْقَوْلِ فِي شُفْعَةٍ ‏,‏ فَقَالَ أَبِي لِلْيَهُودِيِّ ‏:‏ يَهُودِيٌّ ابْنُ يَهُودِيٍّ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ أَجَلْ ‏,‏ وَاَللَّهِ إنِّي الْيَهُودِيُّ ابْنُ الْيَهُودِيِّ ‏,‏ إذْ لاَ يَعْرِفُ رِجَالٌ كَثِيرٌ آبَاءَهُمْ فَكَتَبَ عَامِلُ الأَرْضِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ عَامِلُ الْمَدِينَةِ بِذَلِكَ ‏,‏ فَكَتَبَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ إنْ كَانَ الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِكَ يُعْرَفُ أَبُوهُ ‏,‏ فَحُدَّ الْيَهُودِيَّ ‏,‏ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ سَوْطًا‏.‏ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ قِيلَ لَهُ ‏:‏ يَا ابْنَ الْقَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ أَبُوهُ قَيْنًا قَالَ ‏:‏ نَرَى أَنْ يُجْلَدَ الْحَدَّ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ رُوِيَ عَنْهُ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ‏,‏ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ لَيْسَ الْحَدُّ إِلاَّ فِي الْكَلِمَةِ لَيْسَ لَهَا مُصَرَّفٌ ‏,‏ وَلَيْسَ لَهَا إِلاَّ وَجْهٌ وَاحِدٌ ‏:‏ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ ‏:‏ إذَا بَلَغَ الْحَدُّ لَعَلَّ وَعَسَى فَالْحَدُّ مُعَطَّلٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ ‏:‏ يَا نَبَطِيٌّ أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ‏.‏ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ ‏:‏ يَا نَبَطِيٌّ ‏,‏ وَيَا عَبْدَ بَنِي فُلاَنٍ ‏,‏ فَلَمْ يَرَ عَطَاءٌ فِيهِ شَيْئًا‏.‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ قَالَ لَعَمْرِي ‏:‏ يَا نَبَطِيٌّ ‏,‏ فَلَمْ يَرَ الشَّعْبِيُّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ كُلُّنَا نَبَطٌ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَصْحَابُنَا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ ‏,‏ فَوَجَدْنَا الزُّهْرِيَّ يَقُولُ فِي نَفْيِ الْمَرْءِ عَنْ أَبِيهِ ‏,‏ أَوْ عَنْ نَسَبِهِ كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ عَلَى النَّافِي فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ عليه السلام ‏:‏ أَنْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ‏:‏

فَنَظَرْنَا هَلْ نَجِدُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ نَجِدْهُ أَصْلاً ‏,‏ وَإِنَّمَا وَجَدْنَا فِيهِ الْحَدَّ ‏,‏ وَوُجُوبَ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ عَلَى رَمْيِ الْمُحْصَنَاتِ فَوَجَدْنَا النَّافِيَ إنْسَانًا عَنْ نَسَبِهِ ‏,‏ فَلَمْ يَرْمِ مُحْصَنَةً أَصْلاً ‏,‏ وَالزُّهْرِيُّ وَإِنْ كَانَ عِنْدَنَا أَحَدُ الأَئِمَّةِ الْفُضَلاَءِ فَهُوَ بَشَرٌ يَهِمُ كَمَا يَهِمُ غَيْرُهُ ‏,‏ وَيُخْطِئُ وَيُصِيبُ ‏,‏ بَلْ وَجَدْنَا نَصَّ الْقُرْآنِ مُخَالِفًا لِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ لأََنَّهُ يُسْقِطُ الْحَدَّ عَمَّنْ رَمَى الْمُحْصَنَاتِ إذَا قَالَ لأَبْنِ أَمَةٍ ‏,‏ أَوْ ابْنِ كَافِرَةٍ ‏:‏ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ ‏,‏ وَأَوْجَبَهُ حَيْثُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إيجَابُهُ إذَا قَالَ لَهُ ‏:‏ لَسْتَ لأََبِيكَ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِذَلِكَ جُمْلَةً‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ النَّافِي قَاذِفٌ ، وَلاَ بُدَّ

قلنا ‏:‏ لاَ ‏,‏ مَا هُوَ قَاذِفٌ ‏,‏ وَلاَ قَذَفَ أَحَدًا ‏,‏ وَقَدْ يَنْفِيهِ عَنْ نَسَبِهِ بِأَنَّهُ اسْتَلْحَقَ ‏,‏ وَأَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِمْ ابْنُ نِكَاحٍ صَحِيحٍ ‏,‏ فَقَدْ كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ هَذَا ‏,‏ فَلاَ قَذَفَ هَاهُنَا أَصْلاً ‏,‏ وَقَدْ يَكُونُ نَفِيهِ لَهُ بِأَنْ أَرَادَ الأَسْتِكْرَاهَ لأَُمِّهِ ‏,‏ وَأَنَّهَا حَمَلَتْ بِهِ فِي حَالَةٍ لاَ يَكُونُ لِلزِّنَى فِيهِ دُخُولٌ ‏,‏ كَالنَّائِمَةِ تُوطَأُ ‏,‏ أَوْ السَّكْرَى ‏,‏ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهَا ‏,‏ أَوْ الْجَاهِلَةِ ‏,‏ فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ النَّافِي قَاذِفًا جُمْلَةً وَاحِدَةً‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ فِي السُّنَّةِ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ فَوَجَدْنَا ‏:‏ مَا ناه أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ، حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ غَيْلاَنَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ رَجُلاً أَنْ دَعَا آخَرَ ‏:‏ يَا ابْنَ الْمَجْنُونِ

قال أبو محمد ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ فَوَجَدْنَاهُ لاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ أَصْلاً مِنْ وُجُوهٍ ‏:‏

أَوَّلُهَا ‏:‏ إنَّهُ مُرْسَلٌ ، وَلاَ تَقُومُ بِمُرْسَلٍ حُجَّةٌ‏.‏

وَالثَّانِي ‏:‏ مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ غَيْلاَنَ التُّجِيبِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمْ يُعَدَّلْ‏.‏ وَثَالِثُهَا ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام جَلَدَهُ الْحَدَّ ‏,‏ إنَّمَا فِيهِ ‏:‏ أَنَّهُ جَلَدَهُ ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُرَادَ فِيهِ ‏:‏ أَنَّهُ جَلَدَهُ الْحَدَّ ‏,‏ وَنَحْنُ لاَ نَأْبَى مِنْ ذَلِكَ مَنْ سَبَّ مُسْلِمًا ‏,‏ لأََنَّهُ مُنْكَرٌ يُغَيَّرُ بِالْيَدِ ‏,‏ فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ‏,‏ بَلْ هُوَ عَلَيْهِمْ‏.‏ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ سَحْنُونَ ‏,‏ وَأَعْرَفُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ ‏,‏ فَلَمْ يُبَلِّغْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ غَيْلاَنَ التُّجِيبِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ ‏:‏ إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ رَجُلاً أَنْ دَعَا آخَرَ ‏:‏ يَا ابْنَ الْمَجْنُونِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَهَذَا أَيْضًا كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ ‏;‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ جَلَدَهُ الْحَدَّ ‏,‏ وَالْحُدُودُ لاَ تُقَامُ بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ ‏,‏ وَالزِّيَادَةُ فِي الْحَدِيثِ كَذِبٌ ‏,‏ وَتَبْلِيغُ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ إلَى ثَمَانِينَ كَذِبٌ بِلاَ شَكٍّ مِمَّنْ قَطَعَ بِذَلِكَ‏.‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ فِي الْقَذْفِ بِالزِّنَى الْحَدَّ ‏,‏ وَجَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ ‏,‏ وَصَحَّ بِهِ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ ‏,‏ فَكَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ‏.‏ وَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ‏{‏تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ‏}‏ فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْعُدْوَانَ ‏,‏ وَضَرْبَ الأَبْشَارِ بِغَيْرِ برهان مِنْ الْعُدْوَانِ ‏,‏ وَحَرَّمَ تَعَالَى أَنْ تُتَعَدَّى حُدُودُهُ ‏,‏ وَإِثْبَاتُ حَدٍّ بِغَيْرِ

برهان تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2230 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

قَذْفُ الْمُؤْمِنَاتِ مِنْ الْكَبَائِرِ ‏,‏ وَتَعَرُّضُ الْمَرْءِ لِسَبِّ أَبَوَيْهِ مِنْ الْكَبَائِرِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ الآيَةَ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ‏}‏ الآيَةُ‏.‏ وَ

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ ‏:‏ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ‏,‏ وَالسِّحْرُ ‏,‏ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ‏,‏ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ‏,‏ وَأَكْلُ الرِّبَا ‏,‏ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ‏,‏ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ‏.‏

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

فَصَحَّ أَنَّ قَذْفَ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُحْصَنَاتِ الْبَرِيئَاتِ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلَّعْنَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ‏,‏ وَالْعَذَابِ الْعَظِيمِ فِي الآخِرَةِ ‏,‏ وَدَخَلَ فِيهَا قَذْفُ الأَمَةِ وَالْحُرَّةِ دُخُولاً مُسْتَوِيًا ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ مُؤْمِنَةً مِنْ مُؤْمِنَةٍ‏.‏ وَبَقِيَ قَذْفُ الْكَافِرَةِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏ الآيَةَ فَهَذَا عُمُومٌ تَدْخُلُ فِيهِ الْكَافِرَةُ وَالْمُؤْمِنَةُ ‏,‏ فَوَجَبَ أَنَّ قَاذِفَهَا فَاسِقٌ إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ ‏:‏ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَبَائِرَ ‏,‏ وَسُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ ‏:‏ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ‏,‏ وَقَتْلُ النَّفْسِ ‏,‏ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ قَالَ ‏:‏ أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ‏,‏ قَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ ‏:‏ شَهَادَةُ الزُّورِ قَالَ شُعْبَةُ ‏:‏ وَأَكْبَرُ ظَنِّي ، أَنَّهُ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ ‏"‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ النَّاقِدُ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلاَثًا الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَوْ قَوْلُ الزُّورِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ ‏,‏ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى

قلنا ‏:‏ لَيْتَهُ سَكَتَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ لَيْسَ شَكُّ الرَّاوِي بَيْنَ قَوْلِهِ عليه السلام شَهَادَةَ الزُّورِ أَوْ قَوْلَ الزُّورِ بِمُحِيلٍ شَيْئًا مِنْ حُكْمِ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ فَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَالْمَعْنَى فِيهِ وَاحِدٌ لاَ يَخْتَلِفُ ‏,‏ لأََنَّ كُلَّ قَوْلٍ قَالَهُ الْمَرْءُ غَيْرَ حَاكٍ فَقَدْ شَهِدَ بِهِ ‏,‏ وَكُلُّ شَهَادَةٍ يَشْهَدُ بِهَا الْمَرْءُ فَقَدْ قَالَهَا فَالْقَوْلُ شَهَادَةٌ ‏,‏ وَالشَّهَادَةُ قَوْلٌ ‏,‏ وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ هِيَ غَيْرُ الشَّهَادَةِ الْمَحْكُومِ بِهَا ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ شَهِدُوا فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ‏}‏ فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ هِيَ الْقَوْلُ الْمَقُولُ ‏,‏ لاَ الْمُؤَدَّاةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِصِفَةٍ مَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ قَذْفَ الْكَافِرَةِ الْبَرِيئَةِ قَوْلُ زُورٍ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ ‏,‏ وَقَوْلُ الزُّورِ مِنْ الْكَبَائِرِ ‏,‏ كَمَا بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ الْهَادِي عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ إنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ قَالُوا ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ ‏,‏ وَكَيْفَ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ ‏,‏ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ السَّبَّ الْمَذْكُورَ مِنْ الْكَبَائِرِ ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَأَمَّا مَنْ رَمَى الْمَرْءَ بِمَا فَعَلَ فَلَيْسَ قَذْفًا ‏,‏ لَكِنَّهُ غَيْبَةٌ إنْ كَانَ غَائِبًا ‏,‏ وَأَذًى إنْ كَانَ حَاضِرًا ‏,‏ هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2231 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

مَنْ الْمُحْصَنَاتُ الْوَاجِبُ بِقَذْفِهِنَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ

قال أبو محمد ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ‏}‏ الآيَةَ ‏,‏ فَكَانَ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ ‏"‏ الْمُحْصَنَاتِ الْمَذْكُورَاتِ ‏:‏ هُنَّ النِّسَاءُ ‏"‏ لأََنَّ هَذَا اللَّفْظَ جَاءَ بِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْنَا أَصْحَابُ الْقِيَاسِ هَاهُنَا وَقَالُوا لَنَا ‏:‏ إنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ بِجَلْدِ الْحَدِّ مِنْ قَذْفِ امْرَأَةٍ ‏,‏ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا مَنْ قَذَفَ رَجُلاً بِالزِّنَى وَمَا هَذَا إِلاَّ قِيَاسٌ مِنْكُمْ ‏,‏ وَأَنْتُمْ تُنْكِرُونَ الْقِيَاسَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَأَجَابَهُمْ أَصْحَابُنَا هَاهُنَا بِأَجْوِبَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُقْنِعٌ كَافٍ ‏,‏ مُبْطِلٌ لأَعْتِرَاضِهِمْ هَذَا الْفَاسِدِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏ فَأَحَدُ تِلْكَ الأَجْوِبَةِ ‏:‏ أَنَّ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَصْحَابِنَا ‏,‏ قَالَ ‏:‏ جَاءَ النَّصُّ بِالْحَدِّ عَلَى قَذْفِ النِّسَاءِ وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ بِحَدِّ مَنْ قَذَفَ رَجُلاً وَالْإِجْمَاعُ حَقٌّ وَأَصْلٌ مِنْ أُصُولِنَا الَّتِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهَا وَقَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا اتِّبَاعَ الْإِجْمَاعِ ‏,‏ وَالْإِجْمَاعُ لَيْسَ إِلاَّ عَنْ تَوْقِيفٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ‏:‏ بَلْ نَصُّ الآيَةِ عَامٌّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى النُّفُوسَ الْمُحْصَنَاتِ قَالُوا ‏:‏

وبرهان هَذَا الْقَوْلِ وَدَلِيلُ صِحَّتِهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَكَان آخَرَ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ قَالُوا ‏:‏ فَلَوْ كَانَتْ لَفْظَةُ ‏"‏ الْمُحْصَنَاتُ ‏"‏ لاَ تَقَعُ إِلاَّ عَلَى النِّسَاءِ لَمَا كَانَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏مِنْ النِّسَاءِ‏}‏ مَعْنًى وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا

فَصَحَّ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ يَقَعُ عَلَى النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مُرَادَهُ هُنَالِكَ بِأَنْ قَالَ ‏{‏مِنْ النِّسَاءِ‏}‏ وَأَجْمَلَ الأَمْرَ فِي آيَةِ الْقَذْفِ إجْمَالاً‏.‏ قَالُوا ‏:‏

فإن قال قائل ‏:‏ وَإِنَّ قوله تعالى مِنْ النِّسَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَغَرَابِيبُ سُودٌ‏}‏ وَ ‏{‏عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ‏}

قلنا ‏:‏ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَكْرَارٍ لاَ فَائِدَةَ أُخْرَى فِيهِ إِلاَّ بِنَصِّ قُرْآنٍ ‏,‏ أَوْ سُنَّةٍ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٍ ‏,‏ وَلَيْسَ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي دَعَوَاكُمْ أَنَّ قوله تعالى ‏{‏مِنْ النِّسَاءِ‏}‏ تَكْرَارٌ لاَ فَائِدَةَ فِيهِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ ‏,‏

وَأَمَّا الأَوَّلُ فَلاَ نَقُولُ بِهِ ‏;‏ لأََنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى قَاذِفِ الرَّجُلِ لَمَا كَانَ فِي الآيَةِ احْتِجَاجٌ وَإِيجَابُنَا الْحَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْعَبْدِ وَقَاذِفِ الْكَافِرَةِ ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ إجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ

وَأَمَّا جَوَابُنَا الَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَنَقْطَعُ عَلَى صِحَّتِهِ ‏,‏ وَأَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبُرْهَانِ الْوَاضِحِ فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ‏}‏ الْفُرُوجَ الْمُحْصَنَاتِ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّ الأَرْبَعَةَ الشُّهُودِ الْمَذْكُورِينَ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ شَهَادَتَهُمْ الَّتِي يُكَلَّفُونَهَا هِيَ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُمْ رَأَوْا فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا وَالِجًا خَارِجًا وَالْإِجْمَاعُ قَدْ صَحَّ بِأَنَّ مَا عَدَا هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ شَهَادَةً بِزِنًى ، وَلاَ يَبْرَأُ بِهَا الْقَاذِفُ مِنْ الْحَدِّ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الرَّمْيَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ الْفُرُوجُ فَقَطْ‏.‏

وَأَيْضًا ‏,‏

برهان آخَرُ

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ مَا رَأَيْت أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ ‏,‏ وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ ‏,‏ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ‏,‏ وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزِّنَى إِلاَّ لِلْفَرْجِ فَقَطْ وَأَبْطَلَهُ عَنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْجِسْمِ أَوَّلِهَا عَنْ آخِرِهَا إِلاَّ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيهَا الْفَرْجُ‏.‏ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ النَّفْسَ وَالْقَلْبَ وَجَمِيعَ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ ‏,‏ حَاشَ الْفَرْجَ لاَ رَمْيَ فِيهَا ‏,‏ وَلاَ قَذْفَ أَصْلاً ‏,‏ وَأَنَّهُ لاَ رَمْيَ إِلاَّ لِلْفُرُوجِ فَقَطْ ‏,‏ فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا ، وَلاَ مِرْيَةَ ‏,‏ فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ‏}‏ هِيَ بِلاَ شَكٍّ ‏"‏ الْفُرُوجُ ‏"‏ الَّتِي لاَ يَقَعُ ‏"‏ الرَّمْيُ ‏"‏ إِلاَّ عَلَيْهَا ‏,‏ لاَ يَكُونُ الزِّنَى الْمَرْمِيُّ بِهِ إِلاَّ مِنْهَا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

فإن قال قائل ‏:‏ إنَّ ‏"‏ الْمُحْصَنَاتِ ‏"‏ نَعْتٌ ، وَلاَ يُفْرَدُ النَّعْتُ عَنْ ذِكْرِ الْمَنْعُوتِ

قلنا ‏:‏ هَذَا خَطَأٌ ‏;‏ لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَ

برهان ‏,‏ لأََنَّ الْقُرْآنَ وَأَشْعَارَ الْعَرَبِ مَمْلُوءٌ مِمَّا جَاءَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ بِخِلاَفِ هَذَا

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ‏}‏ ‏.‏

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏إنَّ الْمُصَدِّقِينَ وَالْمُصَدِّقَاتِ‏}‏ ‏.‏ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى النَّعْتَ دُونَ ذِكْرِ الْمَنْعُوتِ‏.‏ وَقَالَ الشَّاعِرُ ‏:‏ وَلاَ جَاعِلاَتِ الْعَاجِ فَوْقَ الْمَعَاصِمِ فَذَكَرَ النَّعْتَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَنْعُوتَ وَمَا نَعْلَمْ نَحْوِيًّا مَنَعَ مِنْ هَذَا أَصْلاً ‏,‏ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذَا لِئَلَّا يُمَوِّهَ مُمَوِّهٌ‏.‏ ثُمَّ إنَّ هَذَا الأَعْتِرَاضَ رَاجِعٌ عَلَيْهِمْ ‏,‏ لأََنَّ مِنْ قَوْلِهِمْ ‏:‏ إنَّهُ أَرَادَ ‏"‏ النِّسَاءَ الْمُحْصَنَاتِ ‏"‏ فَعَلَى كُلِّ حَالٍ قَدْ حَذَفَ الْمَنْعُوتَ وَاقْتَصَرَ عَلَى النَّعْتِ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ اقْتِصَارِهِ تَعَالَى عَلَى ذِكْرِ ‏"‏ الْمُحْصَنَاتِ ‏"‏ وَحَذْفِ الْفُرُوجِ عَلَى قَوْلِنَا ‏,‏ أَوْ حَذْفِ ‏"‏ النِّسَاءِ ‏"‏ عَلَى قَوْلِهِمْ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُهُمْ جُمْلَةً ‏,‏ وَقَوْلُنَا نَحْنُ الَّذِي حَمَلْنَا عَلَيْهِ الآيَةَ الْأُولَى مِنْ دَعْوَاهُمْ ‏,‏ لأََنَّ قَوْلَنَا يَشْهَدُ لَهُ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِذَلِكَ ‏"‏ النِّسَاءَ ‏"‏ فَدَعْوَى عَارِيَّةٌ لاَ

برهان عَلَيْهَا ‏,‏ لاَ مِنْ نَصٍّ ، وَلاَ إجْمَاعٍ ‏,‏ لأََنَّهُمْ يَخُصُّونَ تَأْوِيلَهُمْ هَذَا ‏,‏ وَيُسْقِطُونَ الْحَدَّ عَنْ قَاذِفِ نِسَاءٍ كَثِيرَةٍ ‏:‏ كَالْإِمَاءِ ‏,‏ وَالْكَوَافِرِ ‏,‏ وَالصِّغَارِ ‏,‏ وَالْمَجَانِينِ ‏,‏ فَقَدْ أَفْسَدُوا دَعْوَاهُمْ مِنْ قُرْبٍ مَعَ تَعَرِّيهَا مِنْ الْبُرْهَانِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2232 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

قَذْفُ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ

قال أبو محمد ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ قَذَفَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً بِالزِّنَا ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ لاَ يُضْرَبُ قَاذِفُ أُمِّ وَلَدٍ‏.‏ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ ‏:‏ إذَا قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ ‏:‏ لَسْت لأََبِيك لَمْ يُضْرَبْ ‏,‏ لأََنَّ النَّفْيَ وَقَعَ عَلَى الْأُمِّ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ ‏:‏ أَرَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ أَنْ يُضْرَبَ قَاذِفُ أُمِّ وَلَدٍ ‏,‏ فَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ ‏,‏ وَالْحَسَنِ ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ ‏:‏ لاَ حَدَّ عَلَى قَاذِفِ أُمِّ وَلَدٍ

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَمِمَّنْ لَمْ يَرَ الْحَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْعَبْدِ وَالأَمَةِ ‏:‏ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٌ ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ ‏,‏ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ‏,‏ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ ‏,‏ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمْ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِإِيجَابِ الْحَدِّ فِي ذَلِكَ ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ ‏:‏ إنَّ أَمِيرًا مِنْ الْأُمَرَاءِ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ قَذَفَ أُمَّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ‏:‏ يُضْرَبُ الْحَدَّ صَاغِرًا‏.‏ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ ‏:‏ الزَّوْجُ يُلاَعِنُ الأَمَةَ ‏,‏ وَإِنْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَمَةٌ جُلِدَ ‏,‏ لأََنَّهَا امْرَأَتُهُ

قال أبو محمد ‏:‏ وَبِهَذَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا ‏,‏ وَهَذَا الْإِسْنَادُ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَصَحِّ إسْنَادٍ يُوجَدُ فِي الْحَدِيثِ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتَّبِعُهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَلُطْفِهِ ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ لَمْ يَرَ الْحَدَّ عَلَى قَاذِفِ الأَمَةِ وَالْعَبْدِ ‏,‏ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شَيْئًا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقُوا بِهِ ‏,‏ إِلاَّ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏"‏ سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ‏:‏ مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ ‏,‏ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي نُعْمٍ ‏:‏ أَنَّهُ حَدَّثَهُ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بَرِيئًا مِمَّا قَالَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ‏.‏ وَعَنْ الْحَسَنِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ‏:‏ مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي ظَهْرِهِ حَدٌّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏,‏ إنْ شَاءَ آخَذَهُ ‏,‏ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ

قال أبو محمد ‏:‏ وَلَعَلَّهُمْ يَدَّعُونَ الْإِجْمَاعَ ‏,‏ أَوْ يَقُولُونَ ‏:‏ لاَ حُرْمَةَ لِلْعَبْدِ ، وَلاَ لِلأَمَةِ ‏,‏ فَكَثِيرًا مَا يَأْتُونَ بِمِثْلِ هَذَا‏.‏ فَإِنْ ادَّعَوْا الْإِجْمَاعَ أَكْذَبَهُمْ

مَا رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ قَوْلَهُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً ‏,‏ إِلاَّ رِوَايَةً لاَ نَقِفُ الآنَ عَلَى مَوْضِعِهَا مِنْ أُصُولِنَا‏.‏ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ مِنْ حُرَّةٍ ‏,‏ وَابْنَةٌ مِنْ أُمِّ وَلَدٍ ‏,‏ فَكَانَتْ ابْنَةُ الْحُرَّةِ تَقْذِفُ ابْنَةَ أُمِّ الْوَلَدِ ‏,‏ فَأَعْتَقَ أُمَّهَا ‏,‏ وَقَالَ لأَبْنَةِ الْحُرَّةِ ‏:‏ اقْذِفِيهَا الآنَ إنْ قَدِرْتِ وَعَنْ نَفَرٍ مِنْ التَّابِعِينَ قَدْ ذَكَرْنَاهُمْ خَالَفُوهُمْ فِي أَكْثَرِ أَقْوَالِهِمْ ‏:‏

فأما الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ فَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهَا ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ لاَ حَدَّ فِيهَا عَلَى قَاذِفِهَا ‏,‏ وَلَعَلَّ حَاكِمَ وَقْتِهِ كَانَ لاَ يَرَى الْحَدَّ عَلَى قَاذِفِ أُمِّ الْوَلَدِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ‏"‏ لاَ حُرْمَةَ لِلْعَبْدِ ، وَلاَ لِلأَمَةِ ‏"‏ فَكَلاَمٌ سَخِيفٌ ‏,‏ وَالْمُؤْمِنُ لَهُ حُرْمَةٌ عَظِيمَةٌ ‏,‏ وَرُبَّ عَبْدٍ جِلْفٍ خَيْرٌ مِنْ خَلِيفَةٍ قُرَشِيٍّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى‏}‏ الآيَةَ إلَى قَوْلِهِ ‏{‏إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ‏}‏ ‏.‏ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي الْوِلاَدَةِ أَوْلاَدُ آدَمَ وَامْرَأَتِهِ ‏,‏ ثُمَّ تَفَاضَلَ النَّاسُ بِأَخْلاَقِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ ‏,‏ لاَ بِأَعْرَاقِهِمْ ‏,‏ وَلاَ بِأَبْدَانِهِمْ‏.‏ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَسَوَّى عليه السلام بَيْنَ حُرْمَةِ الْعِرْضِ مِنْ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ نَصًّا ‏,‏ وَلاَ سِيَّمَا الْحَنَفِيُّونَ الْمُوجِبُونَ الْقَوَدَ عَلَى الْحُرِّ لِلْعَبْدِ ‏,‏ وَعَلَى الْحُرَّةِ لِلأَمَةِ ‏,‏ فَقَدْ أَثْبَتُوا حُرْمَتَهُمَا سَوَاءً

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ أَقْوَالٌ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ ‏,‏ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا ‏,‏ فَمَنْ قَالَ لأَمْرَأَتِهِ ‏:‏ زَنَيْت فِي كُفْرِك أَوْ قَالَ ‏:‏ زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ ‏:‏

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا ‏:‏ زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ ‏:‏ إنْ لَمْ يَأْتِ عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ جُلِدَ الْحَدَّ ثَمَانِينَ‏.‏ وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَسُفْيَانُ ‏,‏ وَمَالِكٌ ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيُّ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمْ‏.‏

وقال الشافعي ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ ‏:‏ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ ‏,‏ وَسُفْيَانُ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ ‏:‏ فِيمَنْ قَالَ ‏:‏ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ زَنَيْت وَأَنْتِ مُكْرَهَةٌ أَنْ لاَ حَدَّ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ ‏:‏ زَنَيْت وَأَنْتِ مُكْرَهَةٌ

قال أبو محمد ‏:‏ أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَصْحَابِهِ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ ‏,‏ لأََنَّهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ لاَ حَدَّ عَلَى قَاذِفِ الأَمَةِ ‏,‏ وَالْكَافِرَةِ ‏,‏ وَالصَّغِيرَةِ ثُمَّ فَرَّقُوا هَاهُنَا فَحَدُّوا مَنْ قَالَ ‏:‏ زَنَيْت وَأَنْتِ أَمَةٌ ‏,‏ وَلَمْ يَحُدُّوا مَنْ قَالَ ‏:‏ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّمَا قَذَفَهَا وَهِيَ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ قِيلَ ‏:‏

وَكَذَلِكَ إنَّمَا قَذَفَهَا وَهِيَ بَالِغٌ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّ الْمُكْرَهَةَ لَيْسَتْ زَانِيَةً ‏,‏

وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ قِيلَ لَهُمْ ‏:‏ فَالآنَ يُوجَبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا صَحَّ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ‏.‏

2233 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

فِيمَنْ قَذَفَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا ‏,‏ أَوْ مُكْرَهًا ‏,‏ أَوْ مَجْبُوبًا ‏,‏ أَوْ رَتْقَاءَ ‏,‏ أَوْ قَرْنَاءَ ‏,‏ أَوْ بِكْرًا ‏,‏ أَوْ عِنِّينًا

قال أبو محمد ‏:‏ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ أَنَا سَحْنُونٌ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ ، عَنِ ابْنِ هِشَامٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي صَبِيَّةٍ اُفْتُرِيَ عَلَيْهَا أَوْ افْتَرَتْ قَالَ ‏:‏ إذَا قَارَبَتْ الْحَيْضَ أَوْ مَسَّهَا الرَّجُلُ جُلِدَ قَاذِفُهَا الْحَدَّ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ إذَا بَلَغَ مِثْلُهَا أَنْ يُوطَأَ ‏:‏ جُلِدَ قَاذِفُهَا الْحَدَّ ‏,‏

وَكَذَلِكَ يُجْلَدُ قَاذِفُ الْمَجْنُونِ

وقال أبو حنيفة ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمَا ‏,‏ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ ‏:‏ لاَ حَدَّ عَلَى قَاذِفِ صَغِيرٍ ‏,‏ وَلاَ مَجْنُونٍ

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَقَدْ

قلنا ‏:‏ إنَّ ‏"‏ الْإِحْصَانَ ‏"‏ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ ‏:‏ هُوَ الْمَنْعُ ‏,‏ وَبِهِ سُمِّيَ الْحِصْنُ حِصْنًا ‏,‏ يُقَالُ ‏:‏ دِرْعٌ حَصِينَةٌ وَقَدْ أَحْصَنَ فُلاَنٌ مَالَهُ ‏:‏ إذَا أَحْرَزَهُ وَمَنَعَ مِنْهُ‏.‏ قَالَ تَعَالَى ‏{‏لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ‏}‏ ‏.‏ وَالصِّغَارُ ‏:‏ مُحَصَّنُونَ بِمَنْعِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ مِنْ الزِّنَى ‏,‏ وَبِمَنْعِ أَهْلِيهِمْ ‏,‏

وَكَذَلِكَ الْمَجَانِينُ

وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ ‏,‏ وَالرَّتْقَاءُ ‏,‏ وَالْقَرْنَاءُ ‏,‏ وَالْعِنِّينُ وَقَدْ يَكُونُ كُلُّ هَؤُلاَءِ مُحَصَّنِينَ بِالْعِفَّةِ‏.‏

وَأَمَّا الْبِكْرُ وَالْمُكْرَهُ فَمُحَصَّنَانِ بِالْعِفَّةِ ‏,‏ فَإِذَا كُلُّ هَؤُلاَءِ يَدْخُلُونَ فِي جُمْلَةِ ‏"‏ الْمُحْصَنَاتِ ‏"‏ بِمَنْعِ الْفُرُوجِ مِنْ الزِّنَى ‏,‏ فَعَلَى قَاذِفِهِمْ الْحَدُّ ‏,‏ وَلاَ سِيَّمَا الْقَائِلُونَ ‏:‏ إنَّ الْحُرِّيَّةَ إحْصَانٌ ‏,‏ وَكُلَّ حُرَّةٍ مُحْصَنَةٌ ‏,‏ فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ الْحُرَّةَ ‏,‏ وَالْمَجْنُونَةَ ‏,‏ وَالرَّتْقَاءَ ‏,‏ وَسَائِرَ مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ مُحَصَّنُونَ ‏,‏ وَإِسْقَاطُ الْحَدِّ عَنْ قَاذِفِهِمْ خَطَأٌ مَحْضٌ لاَ إشْكَالَ فِيهِ‏.‏ فَمَا عَلِمْنَا لَهُمْ حُجَّةً أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّ مَنْ قَذَفَ مَنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ تَيَقَّنَّا كَذِبَهُ ‏.‏

‏.‏

فَقُلْنَا لَهُمْ ‏:‏ صَدَقْتُمْ ‏,‏ وَالآنَ حَقًّا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ ‏,‏ إذْ قَدْ صَحَّ كَذِبُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا مَكَانٌ عَظُمَتْ فِيهِ غَفْلَةُ مَنْ أَغْفَلَهُ ‏,‏ لأََنَّ الْقَذْفَ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَوْجُهٍ ثَلاَثَةٍ لاَ رَابِعَ لَهَا ‏,‏ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَادِقًا ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ صِدْقُهُ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ أَوْ يَكُونَ مُمْكِنًا صِدْقُهُ ‏,‏ وَمُمْكِنًا كَذِبُهُ فَهَذَا عَلَيْهِ الْحَدُّ بِلاَ خِلاَفٍ لأَِمْكَانِ كَذِبِهِ فَقَطْ وَلَوْ صَحَّ صِدْقُهُ لَمَا حُدَّ أَوْ يَكُونُ كَاذِبًا قَدْ صَحَّ كَذِبُهُ ‏,‏ فَالآنَ حَقًّا طَابَتْ النَّفْسُ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ ‏,‏ إذْ الْمَشْكُوكُ فِي صِدْقِهِ أَوْ كَذِبِهِ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا ضَرُورَةً ‏,‏ فَلَوْ كَانَ صَادِقًا لَمَا صَحَّ عَلَيْهِ حَدٌّ أَصْلاً فَصَحَّ يَقِينًا ‏,‏ إذْ قَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الصَّادِقِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْكَذِبِ ‏,‏ إذْ لَيْسَ إِلاَّ صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا ‏,‏ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

2234 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

كَافِرٌ قَذَفَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا

قال أبو محمد ‏:‏ قَدْ ذَكَرْنَا وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ قَذَفَ كَافِرًا فَإِذَا قَذَفَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا ‏,‏ قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وُجُوبَ الْحُكْمِ عَلَى الْكُفَّارِ بِحُكْمِ الإِسْلاَمِ ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ‏}‏ ‏.‏ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدَّيْنُ كُلُّهُ لِلَّهِ‏}‏ ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا وُجُوبَ قَتْلِ مَنْ سَبَّ مُسْلِمًا مِنْ الْكُفَّارِ لِنَقْضِهِمْ الْعَهْدَ وَفَسْخِهِمْ الذِّمَّةَ ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ‏}‏ ‏.‏ فَافْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى إصْغَارَهُمْ ‏,‏ فَإِذَا خَرَجُوا عَنْ الصَّغَارِ فَلاَ ذِمَّةَ لَهُمْ ‏,‏ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ ذِمَّةٌ فَقَتْلُهُمْ وَسَبْيُهُمْ ‏,‏ وَأَمْوَالُهُمْ ‏:‏ حَلاَلٌ ‏,‏ وَإِذَا سَبُّوا مُسْلِمًا فَقَدْ خَرَجُوا عَنْ الصَّغَارِ ‏,‏ وَأَصْغَرُوا الْمُسْلِمَ ‏,‏ فَقَدْ بَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ‏,‏ وَلاَ ذِمَّةَ لَهُ ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ خَالِدٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ سَأَلْت الشَّعْبِيَّ عَنْ يَهُودِيَّةٍ افْتَرَتْ عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ ‏:‏ تُضْرَبُ الْحَدَّ‏.‏ وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ ‏:‏ شَهِدْت الشَّعْبِيَّ ضَرَبَ نَصْرَانِيًّا قَذَفَ مُسْلِمًا ‏,‏ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ

قال أبو محمد ‏:‏ أَمَّا الْحَدُّ فَوَاجِبٌ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ لأََنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ قَاذِفٍ ‏,‏ وَالْقَتْلُ وَاجِبٌ كَمَا ذَكَرْنَا لِنَقْضِ الذِّمَّةِ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلاً أَوْ امْرَأَةً لاَ بُدَّ مِنْ قَتْلِهِمَا ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يُسْلِمَا فَيُتْرَكَا عَنْ الْقَتْلِ لاَ عَنْ الْحَدِّ‏.‏

فإن قال قائل ‏:‏ هَلَّا أَوْقَفْتُمْ الْمَرْأَةَ وَلَمْ تَقْتُلُوهَا ‏,‏ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَلأََنَّهَا إذَا نَقَضَتْ ذِمَّتَهَا بِسَبِّ الْمُسْلِمِ فَقَدْ عَادَتْ حَرْبِيَّةً ‏,‏ وَإِذَا عَادَتْ حَرْبِيَّةً فَلاَ ذِمَّةَ لَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا إِلاَّ الأَسْتِرْقَاقُ

قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ إنَّ حُكْمَ الْحَرْبِيِّ قَبْلَ التَّذَمُّمِ غَيْرُ حُكْمِهِ بَعْدَ نَقْضِهِمْ الذِّمَّةَ ‏,‏ لأََنَّ حُكْمَهُمْ قَبْلَ التَّذَمُّمِ الْمُقَاتَلَةُ ‏,‏ فَإِذَا قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ ‏,‏

فأما الْمَنُّ

وَأَمَّا الْفِدَاءُ ‏,‏

وَأَمَّا الْقَتْلُ ‏,‏

وَأَمَّا الْإِبْقَاءُ عَلَى الذِّمَّةِ هَذَا فِي الرِّجَالِ ‏,‏

وَكَذَلِكَ فِي النِّسَاءِ حَاشَ الْقَتْلَ ‏,‏

وَأَمَّا بَعْدَ نَقْضِ الذِّمَّةِ فَلَيْسَ إِلاَّ الْقَتْلُ ‏,‏ أَوْ الإِسْلاَمُ فَقَطْ ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ‏}‏ فَافْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى قِتَالَهُمْ بَعْدَ نَكْثِ أَيْمَانِهِمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ حَتَّى يَنْتَهُوا ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ الأَنْتِهَاءُ هَاهُنَا عَنْ بَعْضِ مَا هُمْ عَلَيْهِ دُونَ جَمِيعِ مَا هُمْ عَلَيْهِ ‏,‏ إذْ لاَ دَلِيلَ يُوجِبُ ذَلِكَ ‏,‏ وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّنَا إذَا انْتَهَوْا عَنْ الْكُفْرِ فَقَدْ حُرِّمَتْ دِمَاؤُهُمْ ‏,‏ وَلاَ نَصَّ مَعَنَا ، وَلاَ إجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ انْتَهَوْا عَنْ بَعْضِ مَا هُمْ عَلَيْهِ دُونَ بَعْضٍ عَادُوا إلَى حُكْمِ الأَسْتِبْقَاءِ‏.‏

وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا فِي ‏"‏ كِتَابِ الْجِهَادِ ‏"‏ فِي مَوَاضِعَ مِنْ دِيوَانِنَا وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ حُكْمُهَا إذَا أَتَتْ بَعْدَ الذِّمَّةِ بِشَيْءٍ يُبِيحُ الدَّمَ مِنْ زِنًى بَعْدَ إحْصَانٍ ‏,‏ وَقَتْلِ نَفْسٍ ‏,‏ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا إذَا قَذَفَ الْكَافِرُ كَافِرًا فَلَيْسَ إِلاَّ الْحَدُّ فَقَطْ ‏,‏ عَلَى عُمُومِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَنْ قَذَفَ مُحْصَنَةً بِنَصِّ الْقُرْآنِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَرَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَى كَافِرٍ إذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ ‏,‏ وَلاَ عَلَى كَافِرَةٍ إذَا زَنَى بِهَا مُسْلِمٌ ‏,‏ وَلاَ يَرَى الْحَدَّ عَلَى كَافِرٍ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ ثُمَّ يَرَى الْحَدَّ عَلَى الْكَافِرِ إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا أَوْ مُسْلِمَةً ‏,‏ فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَ أَحْكَامِ هَذِهِ الْحُدُودِ عِنْدَهُمْ

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّ الْحَدَّ فِي الْقَذْفِ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِ

قلنا لَهُمْ ‏:‏ وَقُولُوا أَيْضًا ‏:‏ إنَّ حَدَّ الْكَافِرِ إذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ حَقٌّ لأََبِي تِلْكَ الْمُسْلِمَةِ ‏,‏ وَلِزَوْجِهَا ‏,‏ وَأُمِّهَا ، وَلاَ فَرْقَ وَالْعَجَبُ أَيْضًا مِمَّنْ قَطَعَ يَدَ الْكَافِرِ إذَا سَرَقَ مِنْ كَافِرٍ ‏,‏ ثُمَّ لاَ يَحُدُّهُ لَهُ إذَا قَذَفَهُ ‏,‏ وَهَذِهِ عَجَائِبُ لاَ نَظِيرَ لَهَا خَالَفُوا فِيهَا نُصُوصَ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَتَرَكُوا الْقِيَاسَ الَّذِي إلَيْهِ يَدْعُونَ ‏,‏ وَبِهِ يَحْتَجُّونَ ‏,‏ إذْ فَرَّقُوا بَيْنَ هَذِهِ الأَحْكَامِ ‏,‏ وَلَمْ يَقِيسُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2235 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

فِيمَنْ قَالَ لأَمْرَأَةٍ ‏:‏ لَمْ يَجِدْك زَوْجُك عَذْرَاءَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ قَذْفًا‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لأَمْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا ‏,‏ فَلاَ يُلاَعِنُ بِهَذَا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ هُوَ قَذْفٌ ‏,‏ وَيُحَدُّ ‏,‏ وَيُلاَعِنُ الزَّوْجَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ احْتَجَّ مَنْ رَآهُ قَذْفًا بِمَا ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ قَالَ ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ ،

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حَدَّثَنَا أُبَيٌّ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ ‏:‏ وَذَكَرَ طَلْحَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي الْعَجْلاَنِ فَبَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَةً فَلَمَّا أَصْبَحَ لَمْ يَجِدْهَا عَذْرَاءَ فَرَفَعَ شَأْنَهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا الْجَارِيَةَ ‏,‏ فَقَالَتْ ‏:‏ بَلْ كُنْت عَذْرَاءَ ‏,‏ فَأَمَرَ بِهِمَا فَتَلاَعَنَا ‏,‏ وَأَعْطَاهَا الْمَهْرَ قَالَ الْبَزَّارُ ‏:‏ لاَ نَعْلَمُهُ رُوِيَ إِلاَّ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ

قال علي ‏:‏ وهذا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِوَجْهَيْنِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُهُ لِذَلِكَ مِنْ طَلْحَةَ ‏,‏ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّ طَلْحَةَ هَذَا لَمْ يَنْسُبْهُ وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو الْمَكِّيُّ ‏,‏ فَهُوَ الَّذِي يَرْوِي عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِالْكَذِبِ ‏,‏ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَجْهُولٌ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَذَهَابُ الْعُذْرَةِ يَكُونُ بِغَيْرِ الزِّنَى ‏,‏ أَوْ بِغَيْرِ وَطْءٍ كَوَقْعَةٍ ‏,‏ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ‏,‏ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَهَابُ الْعُذْرَةِ زِنًى لَمْ يَكُنْ الرَّمْيُ بِهِ رَمْيًا ‏,‏ وَلاَ قَذْفًا ‏,‏ فَإِذْ لَيْسَ رَمْيًا ، وَلاَ قَذْفًا فَلاَ حَدَّ فِيهِ ‏,‏ وَلاَ لِعَانَ ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ الْحَدَّ وَاللِّعَانَ بِالزِّنَى ‏,‏ لاَ بِمَا سِوَاهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَبِهَذَا نَقُولُ‏.‏